"يتقدَّم وَلدان عاريان مُتطابِقا الشَّكل، في يَدِ أحدهما سِكِّينٌ، والآخر كاميرا، في مَركزها عَينٌ حَقيقيَّةٌ، سِكِّين في القَلب، سِكِّين في الرِّئة، سكِّين في السُّرَّة. يَسقط المَقتول في أرضِ الحمَّام". المجموعة القَصصيَّة "صورة شخصية للموت"، المُؤَلَّفة من تسع قصص، ينتقل فيها الراوي بين عوالِمَ خياليَّة مُظلِمة داخل ذواته، عوالم مُؤَلَّفة من غُرَف حمراء أو خضراء، لها روائح عَطِرة أو عَطِنَة. ينتقل فيها الراوي بين الطفولة والكهولة، وتشغله تساؤلات عن الحقيقة: عن حقيقة المسارات. للقصص حِسٌّ سَرديٌّ أميَلُ للكتابة الشعرية، يسرد فيها حكايات الكيانات متعدِّدة للسَّارد، فتارةً يصبغ علي القصة صوتَ السَّرد الألوهيِّ، وتارةً صوت الكاتب، وتارة أخرى صوت الموت. المجموعة هي الأولي لكاتبها "إسلام أحمد"، وتتميَّز برؤية سينمائية، بالإضافة إلى اسكتشات الرَّسَام الشاب "محمود سليمان"، التي أضفت إليها مذاقًا من الوحشية وظُلمَة النفس.
تقييم من 0 قارئ
التصنيفات | أدب عربي |
---|---|
الرفوف | قصص / قصص اجتماعية / قصص ديستوبيا |
القطع | 19.5×13.5 |
عدد الصفحات | 93 |
سنة النشر | 2021 |
ISBN | 9789773138479 |
"وعلى مقربة من بابٍ آخر في القصر كانت تقف «حُسن شام» صديقة «فريدة»... وقَفَت تنظر إلى صديقتها الوحيدة وهي ترتدي فستانًا فرنسيًّا، صُنْع يَدَيْ مدام «وورث»، وتضبط الوصيفاتُ ذيلَ الفستان، ويفرِدنَ طرحته على الأرض. نظرت فريدة إلى انعكاس صورة حُسن أمامها في المرآة، وحين تلاقت أعينهما رأت حُسن فرحة فريدة الطفوليَّة رغم الرَّجفة التي تنتاب أصابعها؛ فهي وإن كانت سعيدة لكونها ستتزوَّج حبيبها المَلِك فإنها تهلع لكونها أصبحت الملكة. تبتسم حُسن شام بثِقَة العارفين، وتقول لنفسها: «وهوَّ انتي فعلًا بقيتي الملكة؟ مين هنا يا ترى اللي هتبقى الملكة؟»، ثم تنظر مرَّةً أخرى إلى صديقتها في المرآة وتهزُّ لها رأسها بحنانٍ باعث على الطمأنينة". الرواية تدور أحداثها خلال 50 عامًا من تاريخ مصر، عبر حياة الملكة فريدة وعلاقتها بالملك فاروق، والتَّحوُّل الدرامي الذي حدث بحياتها بعد الانفصال من خلال الفتاة التي وُلِدَت في حيٍّ شَعبيٍّ في يوم زواج فاروق وفريدة؛ ما أدَّى إلى ارتباطها بفريدة مدى الحياة: حياة كل منهما.
"كتب العالم البروفايلي، أن «مسافر بلا حصان» أو «سامح»، أو «عوليس بن چويس»- شخصيَّة وإن كانت مريضةً نَفسيًّا إلَّا أنها عبقرية من حيث الذكاء، وأن قُدرَتها على التَّسلُّل والتَّخلُّل في شخصيات البيئة من حوله أو حتى في الشخصيات التي يتقمَّصها- كُلُّها أَدِلَّة على العبقرية والحِدَّة في السيطرة على المحيط بذات المتهم". عوليس -كما يرسمه "العصفوري"- بدون مراوغَةٍ... هو بطل الأسطورة الرومانية أو اليونانية القديمة، أو ربما شخص من الزمان المعاصر المُعاش، مُصابٌ باضطرابٍ هُويَّاتي Multiple Personality Disorder: أحيانًا يَظُنُّ نفسه سامح (رَجُل أعمال)، أو ربَّما بطل شاشات السينما، في أحيان رابعة عوليس هو الأمريكي الأصلي "مسافر بلا حصان"، الشخصية المركزية تتنقَّل عبر الأزمنة والأمكنة بطريقة سحريَّة، أو ربما بسبب المرض النفسي. يقدِّم شريف العصفوري نَصًّا روائيًّا بتقنيَّة الواقعية السحرية؛ إذ ينسج الخيال والأسطورة في الحياة اليومية.
تدور الرواية حول "إليزابيث"؛ آخر الفتيات اليهوديات اللاتي هاجَرنَ من مصر، وأُمُّها مدام "نخيل" كومبارس السينما في حقبة الأربعينيات، وواحدة مِمَّن رقصن الكلاكيت في كازينوهات شارع الهرم، وصديقة قاتل الإنجليز "چاك ماليكي" اليهودي. ما بعد فُقدان الأم وفقدان الانتماء للطائفة اليهودية في مصر تعيش إليزابيث حالةً من الضَّياع في مجتمعٍ تَبَدَّل عليها، ويرفضها لكونها يهوديَّةً تعيش في حي الظَّاهر بمصر القديمة. تدخل إليزابيث في عدد من العلاقات الاستغلالية بين رفيقَيْن: أحدهما مُسلِمٌ مُتأثِّر بالتيار الإسلامي المتطرِّف، والآخر مسيحيٌّ خاضع للأوروبيين، مُحتَقِرًا ذاته، لكنها بالتالي تستغلُّهما لخدمة كلبها في علاقة استنزافية طويلة تنتهي بكارثة حَرق سلسلة متاجر سنسبري بسبب فتنةٍ طائفيَّةٍ، ولم يَعُد لها خيار سوى الهروب.
"أنا أيضًا هارِبٌ من جحيم وطنيٍّ، آهٍ من جحيم الأوطان وما تفعله بقاطنيها! الروائح تتضخَّم في الماء وتَشتَدُّ، حتى الحيتان كانت لَتعافُ رائحة الخوف المنبعثة مِنَّا، وتتراجع عن فكرة التقامنا فتتركنا للمجهول!". تتتبَّع غادة سيرة مصنع كوتسيكا لصناعة الكحول والبيرة بمنطقة طُرة في مصر قبل أكثر من مائة عام، من خلال حكاية عائلة كوزيكا اليونانية التي استقرَّت بمصر في ظل ظروف اجتماعية وثقافية وسياسية ودينية فارقة في تاريخ مصر واليونان، يكتشف القارئ -مع رحلة الرواية- كيف هاجر تيوخاري كوزيكا من اليونان إلى الإسكندرية، وأصبح شاهِدًا على مذبحة الإسكندرية الشهيرة، وما وقع بعدها من احتلال بريطانيا لمصر، كيف أسَّس أول فابريكة للكحول في الشَّرق الأوسط بمساعدة أخيه "بوليخروني"، وألحق بها مصنعًا آخر لصناعة البيرة.
رواية أشبه بسيرةٍ ذاتيَّة، ولكنها ليست بذاتيَّة للكاتب نفسه، وإنَّما عن علاقاته العاطفية بفتيات الإسكندرية، مُؤرِّخًا لفترة زمنية تبدأ من أربعينيات القرن الماضي، مؤرِّخًا لتاريخ الصَّبيِّ الذي شَبَّ وسط أَخيِلَة فتياتٍ أَحبَّهنَّ. تدور الرواية حول الفتيات اللاتي تَعلَّق بهنَّ الشابُّ منذ صباه، سارِدًا ملامحهن ونفوسهن وأحداثهن الشهيرة، والتي تُعَدُّ تَحليلًا للمجتمع السكندري وتنوُّعاته وتاريخه المحلي. كتابة اشتهر بها إدوار الخراط، وهي الكتابة الحِسِّيَّة، حيث إن للرواية لحنًا طويلًا بين الحاضر والماضي على لسان الراوي، ليس فيه انقطاعات العودة، وإنما يتداخل الزَّمنان، فكُلَّما كَبُر الصَّبيُّ وأصبح شابًّا أو كَهلًا تجده صبيًّا في سطور أخرى. ويسطع حضور الشخوص حِسِّيًّا في سطور الرواية حتي لا تَنفَكَّ تأسِرُ القارئ بحديثها وحيواتها اليوميَّة.
ليست هذه النصوص سيرة ذاتية، ولا شيئًا قريبًا منها. ففيها من شطح الخيال، ومن صَنعَةِ الفَنِّ ما يشطُّ بها كثيرًا عن ذلك. * فيها أوهام – أحداث، ورؤى – شخوص، ونُويَّات من الوقائع هي أحلام، وسحابات من الذكريات التي كان ينبغي أن تقع، ولكنها لم تحدث أبدًا. * لعلَّها أن تكون صيرورةً، لا سيرة. وليست، فقط، ذاتيَّة. * هي وَجْدٌ، وفقدان، بالمدينة الرخامية، البيضاء – الزرقاء، التي ينسجها القلب باستمرار، ويطفو دائمًا على وجهها المُزبِدُ المُضيء. * إسكندرية، يا إسكندرية، أنتِ لستِ -فقط- لؤلؤة العُمرِ الصُّلبة في محارتها غير المفضوضة. * مع ذلك، أنشودتي إليكِ ليست إلَّا غَمغَمَةً وهَينَمَة. إدوار الخراط
يَبدو أَبطالُ هَذِهِ القصَصِ وكَأنَّهُم يَبحَثون عَن آمالٍ عَجَزوا عَن تَحقيقِها؛ رُبَّما لِأنَّها مُستَحيلَةٌ أَصلًا، كالطَّيرانِ بِلا تَوقُّفٍ؛ بَحثًا عَن هَدَفٍ غامِضٍ، يَنتَهي بِالبَطَلِ إلى الاستِسلامِ لِهُبوطٍ لا يُعرَفُ مَدى سَلامَتِه، ورُبَّما لأنَّها آمالٌ في تَحقيقِ بُطولَةٍ قَد لا يَستَطيعُ الكومبارس أَنْ يُحَقِّقَها إلَّا في مَشهَدٍ واقِعيٍّ قَد يُرضي ذاتَهُ المُحبَطَة، إلَّا أنَّه يَظَلُّ مَشهَدًا عارِضًا لا يَتعلَّقُ بآمالِهِ في البُطولَةِ عَلى خَشَبةِ المسرَحِ، حَيثُ الشُّهرَةُ والمجدُ، وهُوَ ما حَلُمَ بِهِ وتَمنَّاه. الكاتِبُ إِذَن لَيسَ أسيرَ الإحباطِ والقَرَفِ كَما يَبدو لأَوَّلِ وَهلَةٍ، وإنَّما هُو أَسيرُ مَشاعِرَ مُتَناقِضَةٍ مِنَ التَّمسُّكِ بالأَمَلِ والاستِسلامِ لِلإحساسِ بِعَدَمِ الجَدوَى، وأغلَبُ الظَّنِّ أَنَّ تَمَسُّكَه بالأَمَلِ هُو الغالِبُ، وهُوَ الأثَرُ الَّذي يَترُكُهُ في نَفْسِ القارِئ.
"ما زال طارق يعاني من اضطرابات نفسية رغم هَجْرِه الصحافة بعد اختفاء صديق مُقرَّب منه في ظروف غامضة في وسط البلد بالقاهرة. لسنوات عدَّة غَطَّى طارق الربيعَ العربيَّ في المنطقة أجمعها، وفي هذه الأثناء كتب مقالًا عن طبيب ليبي، يُدعَى أبو سلمى، رفع السلاح ضد القذافي، وفي النهاية ترك البلاد خائِبَ الأمل بعد اندلاع الحرب الأهلية. يرأس أبو سلمى الآن تنظيمًا يساريًّا إرهابيًّا يختطف سياسيِّين عَرَبًا. وقد جنَّد رسَّامَا الروايات المصوَّرة: كريم وعبد الرحمن؛ لرسم سيرته الذاتية. من المفترض أن يقابلاه سِرًّا في زنجبار، حيث يتقاطع طريقهما مع السوداني جمال والأسبانية چوليا: موظَّفين في الأمم المتحدة في السودان، يتورَّطان في محاولة فاشلة لتهريب خادمة فلبينية من الاستغلال الجنسي. الطابور الخامس رواية تأخذ القارئ عبر تقلُّبات مصر وليبيا والسودان وسوريا وبلاد الباسك وبرشلونة وزنجبار. رواية عن الحب وعشق السفر وندامة الأحلام الضائعة."
" في عاصمة العالم، مدينته المسحورة اليونانية القبطية، برهبانها، وتجارها بهلواناتها، ممثليها ومغتيها وصناعها، بطاركتها وبغاياها، غوغائها وغوانيها وخوذاتها، مكتبتها الواحدة الوحيدة غير المتكررة وحماماتها بالالاف كنائسها السرية تحت الأرض وأعمدة معابدها الرخامية الصفيلة. عذاباتها ومهرجاناتها. السيرك والمنارة والمسرح وهياكل جوبيتر وزيوس وأمون، المذابح في الساحات والمعارق ومعاصر النبيذ وسوامع الغلال الذهبية وأشرعة السفن المسرطة والمربوطة بالحبال في الميناء الشرقية، والفلول الباقية المطاردة من كهنة الدين العتيق وشهداء الهرطقـة اليسوعية الجديدة، وفلاسفة اليهود وعلماء الجغرافيا والطبيعة والشعراء مايـرالون برسـعـون اليونانية القديمة بصباغات وزخرفات لا حياة فيها، والناس الناس الناس الذين لا أسـم لـويـم بـجـمـوعـهيم الفقيرة التي لا تنتهي أبدا ياكلون وبكدون ويلسلون، ويرحمونوبتعون بشهيد ويتمزقون بشفاء لا يوصف وموتون بلا أهمين لا يعرفهم أحد ولن يعرفهم أحد."
الرواية الجديدة للكاتب محمد عبد الله سامي: "الآن تأمن الملائكة". الرواية تحكي عن أيام خدمة أحد العساكر في حراسة معبد "أخناتون" بتلِّ العمارنة في عصرنا الحديث، وعن الزيارات الغريبة التي يشهدها ليلًا بالمعبد، وعن علاقته بزملائه في الحراسة، التي تطوَّرَت بسبب تلك الزيارات؛ فأفضت به إلى أماكن مختلفة بعيدة، وتركته مع تساؤلاتٍ وأفكارٍ أكبر ممَّا يحتمل فِكرُه.
"رغم موت هذا الشاعر فإني أشهد الآن ولادته. ها إن مهاب ناجي يحيا من جديد بشعره، ويعود من خلال هذا الكتاب كي يعيش بيننا. مهاب ناجي، رغم عبوره السريع، ورغم غيابه في حياته عن النشر والإعلام، هو أحد شعراء الحداثة الذين يمتلكون صوتاً شعرياً مميزاً. فلنقدم له كل التقدير الذي لم ينله في حياته، ولتضف اسمه إلى أسماء الشعراء الذين عاصروه. وتلك المدينة التي لا تليق بموته فلتكن الآن مدينة تليق بعودته إلى الحياة."
يعود خليل المراكبي إلى القاهرة من نيويورك بعد غيابٍ طويل ليحاول اكتشاف كيف مات صديقُه العزيزُ في ظروفٍ غامضة، بعد اتِّهامه بقتل مدير أهمِّ مؤسَّسةِ أبحاثٍ في البلاد. لم يتوقَّع خليل أن تقضي الرِّحلةُ خطوةً بعد الأخرى على ما تبقَّى من أوهامٍ بشأن عمله وزواجه وصداقاته وعلاقاته العاطفيَّة، أو أن تفتح أمامه احتمالاتٍ كثيرةً لم يَكُن يعرف بوجودها. تسحب الرواية القارئ إلى عوالم القاهرة كمدينةٍ مُغريَةٍ، مُتعِبة، قاسية مُحمَّلة بالوعود والتهديدات، بالأحلام والكوابيس، حيث يقبض الماضي بيدَيْن مُرتجِفَتَيْن على عُنُقِ حاضِرٍ يحاول التَّملُّص والنجاة دون أن يعرف طريقه. فهل ينجو خليل ويتمكَّن من عبور حقل ألغام تنفجر في وجهه لغمٍ تلوَ الآخر؟ وهل سيتمكَّن بمساعدة الحُبِّ والصَّداقة من ترويض شياطين لَطالَما لاحَقَته أو التَّعايُش معها؟
لا وقتَ للنوستالچيا شهواتُ الرُّوحِ غَيرُ مَقسومَةٍ والمَعنى اللا مَحدود تِنِّينٌ شَرِبتُ معه الرَّاحَ". رواية شَذريَّة تُعدُّ من أبرز كتابات "الخرَّاط"، تتململ فيها الذكريات خيطيَّة السَّرد. تعتمد الرواية على السرد الحداثي الذي أبدع فيه "الخرَّاط"مُحوِّلًا مدينته الإسكندرية لنسيجٍ سَرديٍّ منفصل بذكريات متباعِدَة السنين، لكن يطويها سَردٌ كُلِّيٌّ أكبر في نفس "الخرَّاط"والمدينة. تتناول الرواية عددًا من الشخصيات التي رحَلَت عن دنيا "الخرَّاط" تِباعًا، فيتجوَّل في ذكراه باحِثًا عنهم، وساردًا لحظات لقائهم الأولى ولحظات موتهم التي حضرها أو تلك اللحظات التي كانت وقائِعَ وأخبارًا طعَنَت في صدره كالصاعقة حينًا، وصُدفةً حينًا."
أحيانا يتعب من التفكير، وتصيبه أحلام اليقظة بالملل، فيراقب ظله على كشافات أعمدة الإنارة، يشهد الخلق، يبدأ ظله أسفل عامود الإنارة صغيرا ضعيفا، يدفع قدمه محاولا دهس رأس ظله فيكبر، يهرب الظل من قدمه بالتضخم، يتحداه، يحاول مرة أخرى أسرع حتى يدهسه فيزداد طولا، يصبح عملاقا يملأ بين عامودي الإنارة، جبارا يرقد على الرصيف، يتخيل ظله يجلس ويمد يده يشحت من المارة ليذله، يسرع خطاه هربا، ليس أنا، يختفي ظله، ويطل برأسه مرة أخرى ضعيفا أسفل عامود الإنارة التالي، مئات الأعمدة تنتظر ظل راضي، دورة حياة لا تنتهي تحت قدميه.
تعمل "دنيا" يوتيوبر في مجال ألعاب الڤيديو جيمز، وتحلم أن تكون مُصمِّمةً لتلك الألعاب، وترتبط بكُتُب التراث، وكذلك بعلم الآثار، والفنون التشكيلية، فتُسقِط كلَّ ذلك على عُمَر والجِنِّي، فتظلُّ الأكثرَ حضورًا من خلال معارفها، رغم غيابها. عالم أسطوري مُستَلهَم من كُتُب التراث وألعاب الڤيديو والواقع المُعاش، حيث يتبادل الحكي: بطلٌ مهزوم يبحث عن حبيبته، التي ترَكَته مريضًا بمرض غامض، ومخلوقٍ سَكَن الأرضَ قبل البشر، يبحث عن مولاته، التي منحته أسطورةَ وجوده. "دنيا" المختفية -والمروي عنها- هي الرابط بين "عمر منصور الخواجة" وبين "جِنِّيِّ التماثيل". وتتوازى حكايات عائلة دنيا مع حكايات عائلة عمر، وكذلك الأمراض المتوارَثة والواقع الذُّهاني. واقعٌ يستدعي حكايات الماضي والمستقبل لتتفتَّح مسامُّ الكون على أسئلةٍ لا تنتهي، منذ نشأة الأرض، إلى زوالها.
"أرادَ فؤاد أن يغتسل من نزيف المشاوير الضَّائعة والكلام المزيَّف وجداول المواعيد الأسبوعية فارغة المعنى، من ضجيج المقاهي واللقاءات وتَصَنُّع الفنَّانين والمثقَّفين المُقرِف، من أصحابه الذين شربوا من دماء بعضهم البعض حُبًّا وغيظًا، مُدمني الحياة ولصوص الكُتُب المَهَرَة، من أُمِّه وخوفها الخانق منه وعليه، ومشاجراتهما المتواتِرَة حول كل شيء، من "خُذ وهات" و"فينك يا عم و"تحت النظر" و"كلُّه بحسابه". أرادَ أن يترك وراءه المدينةَ الفاجرة وغواية الشوارع ونداءاتها الرخيصة على أرصفة البيع والشراء. الأغلال تشدُّه كل مرَّة إلى الفرحة الخاسرة، ولو توضَّأ بالنور ألفَ مَرَّة لَمَا وضع عنه أثر الأوزار والذنوب. فهل نسي ما قاله صديقه العجوز له، في حُلمهما السِّرِّي آخر مرَّة؟ "كما حطَّمتَ حياتَكَ هنا. في هذا الرُّكن الصغير، فقد حطَّمتَها في العالَم كله". هكذا؟! بلا أملٍ يا "كافافي"؟! نعم، وبلا يأسٍ يا أمير."
أحيانا تكون البوصلة الوحيدة في مُواجهة يَمِّ الحياة صوتٌ صغيرٌ يأتي من الأعماق، يُوجِّهُ و يُنبِّهُ يُسمَّى مجازًا الحاسَّة السَّادسة، ولكنَّها الحاسَّة الأولى، الحاسَّة الخارقة، تلك التي تتجاوز الحواسَّ المادية لتتَّصِل بماهيَّة الأرواح، أو رُبَّما تكشِفُ عن الغيب ستاره.
وفي صباح 5 يونيو من هذا العام (1992) استيقَظتُ فإذا خاطِرُ الدَّعوة لاحتفالٍ قوميٍّ بالعيد الخامس والعشرين للنكسة يختلط بخاطرها الشُّروع في تجميع هذه القصص، الذي ظلَّ يُلِحُّ عليَّ حتى لم أعد أستطيع منه هربًا، وإذا بي أقاوم أسباب تردُّدي في نشرها، وأقول لنفسي: لعلَّها لو لم تَصلُح أن تكون قصصًا.. تصلح أن تكون وثائِقَ عن الزمن الذي عشناه. بأفراحه وأتراحه.. وضحكاته ودموعه؛ ففيها ظِلالٌ كثيرة من أوجاع عَقد الستينيَّات، الذي ابتعَدَت ملامحه، وغرقت مَسرَّاته وأحزانُه، حتى ليبدو -في ضوء ما يجري الآن- وكأنه من عقود العصر الحجري.
أحدث المحاسب وزوجه -وقد اقتحما الجلسة اقتحام الغزاة المتعجرفين- أثرًا كقرقعة سوط، اخترق هواء الصالة فأربكها وقوض نظامها، وتنحى عم كامل مشدوهًا، مستاءً من تأويل حديثه على غير ما قصد، بينما ألجم السؤال الأخير لسان الأستاذ جودت فثبت بصره على زوجه ينتظر الغوث، ونطقت ملامح السيدة أليفة بالتوتر إزاء هذا التدخل الصفيق الذي لم يراع الأصول، وأرادت بشدة أن تمسك لسان جارها المنفلت عن الاسترسال، وأن تكف جموحه الذي يخلخل ما أقامت حول شئونها الخاصة من أسوار ظنتها منيعة. لن تفصح مهما جرى عن أسرارها، والمجتمعون أغلبهم جهلاء بالحقائق الدامغة التي أودعتها صندوقًا موصدًا بالشمع الأحمر، وهل في مقدورها وإن اضطرت أن تطلعهم على شيء كهذا؟
ذاتَ يَومٍ، صارَ لَدَى السَّكَندَريِّين قُدرَةٌ على الطَّيران، فقط داخِلَ مَدينَتِهم، فلا يَقْدِر أَيُّهُم على الطيران خارِجَها، ولا يقدر غَيرُهم على الطَّيران فيها، أو خارجها. لماذا؟ وكيف؟ ومَن هُم عَبَدَةُ النَّورَسِ؟ وهل هُناكَ مَن يُريدُ شَرًّا بهذا الوَطَن؟ وهَل يَرى المُهندِس عَلي الشَّيطانَ فِعلًا؟ وهل كُلُّ ما تَحتاجُه سُندُس "كريم" تفتيحِ بَشرَةٍ، وعريسًا وَسيمًا؟ ما سَبَبُ الطَّيرانِ أَصلًا؟ وفي مَصلَحَةِ مَن؟ كُلُّ هَذِهِ الأَسئِلَة، وأكثر، لا تَهتَمُّ هذه الروايَةُ بالإجابَةِ عَنها، وإنَّما يُحاوِلُ مُؤلِّفُها سَرْدَ ما يَذكُرُه مِمَّا وَقَعَ في المَدينَةِ القَديمَة (الَّتي يُحبُّها البعضُ بجنونٍ، ويَكرَهُها آخرون كالطَّاعون) في الأَعوامِ المُربِكَة الَّتي تَلَتْ خَريفَ 2005، عندما طارَ النَّاسُ لأَوَّلِ مَرَّة.
مَرَّةً قالَ لَهُ أَحَدُهُم: ضَعْ كُلَّ ما يُثقِلُ عَليكَ في سَحابَةٍ، واترُكْها تَمضِي وَراءَكَ، وعِندما حاوَلَ أَنْ يَفعَلَ ذَلِكَ، تَكاثَفَت السَّحابَةُ، ولَم تَتبَعْه، ولَكِنْ ظَلَّ لِفَترَةٍ يَتَتَبَّعُها هُو إلى أَنْ مَلَّ، فجَمَعَ أَشياءَهُ ووَضَعَها مَرَّةً أُخرى بِداخِلِه، وكَفَّ لِفَترَةٍ عَن النَّظَرِ للسَّماءِ.