خلَّفَت ثورة يناير وراءها عالمًا أمسى قديمًا في وعي كل المعاصرين، يُشار إليه بالماضي أو "زمان"، حتى لو كان المقصود عَقدًا واحدًا مضى، وعلى الرغم من كونه قديمًا لم نكتشف بعد كل عناصره ولا تركيباته كي نفهم لحظتنا المعاصرة التي هي نتاج تفاعُلاته هو، أصبح المصريون بعد يناير يطلق عليهم أنهم شعب بلا كتالوج لأنهم أصبحوا شعبًا موجودًا من الأصل، يتحرَّك بشكل مَرئيٍّ بعدما عبَّر عن وجوده، لم يعد صُوَرًا مُخلَّقة في دراما مُوجَّهة، انهارت كل الصورة النَّمطيَّة القديمة رغمًا عن الجميع، وأصبح لزامًا على الجميع بذل الجهد اللازم لفهم الطبيعة المادية للمجتمع الذي يعيشون فيه، وجوهر صراعاته ودوافعها. لم تَعُد من الممكن صياغة مصر كعالم مُتخيَّل من عناصر بسيطة؛ فالبلد في تغيُّر مستمر، وكنس التراب ومُراكَمَتُه تحت سجاجيد الواقع لن يُفضي إلى رؤية أي أفقٍ منبسط، بل سيجعل المسير أكثر بُطئًا وقلقًا داخل منعرجات أكثر خطورة وصراعية؛ فالمجتمعات لا تسكن أبدًا، يمكن أن تخفض صوتها، لكنها لن تتوقَّف عن الهمس والكلام، وفي الأثناء ستتشكَّل لغاتٌ جديدة، تتطوَّر وتتمايز وتصبح معها العوالم المتنوِّعة أكثر عُزلَة وتناثرًا، ولن تستطيع خطابات الصور النمطية التافهة احتواءها بحيث يسير كل شيء بالتوازي حتى تأتي لحظة تتقاطع فيها المتوازيات، فتصطدم العوالم بعضها ببعض؛ وحينها لن يمكن إخفاء صوت الانفجار.
تَكتَسِبُ مسألَةُ الدولة في الوقت الحاضر أهميَّةً خاصَّة، سواء من الناحية النظرية أو من ناحية السياسة العملية. فقد شدَّت الحرب الإمبريالية وعجَّلت بدرجةٍ هائلة عَمليَّة تحوُّل الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسماليَّةِ الدولة الاحتكارية. وتزداد فظاعة الظُّلم الذي تعانيه الجماهير العامِلَةُ من قِبَل الدولة، تلك الدولة التي تلتحم أكثرَ فأكثر باتحادات الرأسماليين ذات الحَوْل والطَّوْل، وتتحوَّل المناطق الداخلية في البلدان المُتقدِّمة بالنسبة إلى العُمَّال إلى سجونٍ عسكرية للأشغال الشاقَّة.
بين دفَّتَيْ هذا الكتاب 47 حوارًا مع شخصيَّاتٍ عربيَّة وعالَميَّة أثرَت الحياةَ الفِكريَّةَ على الصَّعيدَيْن: العربي والعالَمي، وهي حواراتٌ أدارها المؤلِّفُ بمستوًى من العُمقِ والمهارَةِ، جَعَلها -بحَقٍّ- بمثابة مَلفٍّ موجَزٍ ومُكثَّف عن هؤلاء المفكِّرين؛ الأمر الَّذي يجعل هذا الكِتابَ لا غِنى عنه لقارِئٍ يَتَطلَّع لمعرفَةِ الأفكار الرئيسيَّة والتَّوجُّهات الأساسيَّة لهؤلاء الأعلام، وبالذَّات عندما لا يكون قد تَمكَّن من قراءة هذه الأفكار والتَّوجُّهات من قَبل، وهو أيضًا كتابٌ لا غِنى عنه لِمَن قرأ لهؤلاء المُفكِّرين أو عنهم؛ لأن الحوارات المنشورَةَ هنا كشَفَت عن جوانِبَ من تَوَجُّهات هذه الشَّخصيَّات البارزة، لم يَكُن التَّعرُّف عليها مُمكِنًا أو سَهلًا، إلَّا من خلال مُحاوِرٍ أفنى عُمرَه في الاطِّلاعِ العَميق على فِكر ومواقِفِ هذه الرُّموز؛ ومن ثَمَّ فقد نَجَحَ في كَشْفِ جوانِبَ من رسالَتِهم الفِكريَّة، وألقى عليها الضَّوءَ؛ فأنار بذلك لِلقارِئِ واسِعِ الاطِّلاع مَنظورًا جديدًا في معرفة هؤلاء المفكِّرين.
صلاح عيسى ليس مجرد أديب أو مؤرخ فحسب، بل المفكر الفذ الذي نجح خلال أعماله التي تنبض بالحياة حتى الآن، في بناء جسر تقدُّمي حداثي بين جيلي الأربعينات والسبعينات" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حين نقول إن اعتماد البرجوازية المصرية على المفاوَضَة كأسلوبٍ وحيدٍ لحَلِّ تناقُضِها مع الإمبريالية، كان قضاءً أكثرَ ممَّا كان اختيارًا انتقائيًّا؛ فنحن لا نفعل أكثرَ من أنْ نَصِفَ ظاهرةً لا يَعْمَى عنها إلا هؤلاء الذين يُصرُّون على استمرار المراهنة على وطنيَّة البرجوازية، كأنهم يواجهون إحساسًا داخليًّا عميقًا بالعار؛ لأنَّهم مَنحوا يومًا بركاتِ الوطنيَّة -بشكلٍ مُطلَقٍ ودون تَحفُّظاتٍ- للبرجوازيَّة العربية عمومًا -والمصريَّة بوجهٍ أخصَّ- برغم أن واقع الحال كان أمامهم ناطقًا بأن البرجوازية العربية قد عَجَزَت دائمًا عن أن تفلت من قضاء المفاوضة الذي يطاردها، أو أن تتمرَّد على قدر التبعية الذي قَعَدَ بها على حِجْرِ الإمبريالية، ترضع لَبَنَها حتى شاب شَعْرُها، وملأَت التجاعيدُ صفحةَ وجهِها!
الحضارة الإنسانية على بُعد خطوات من الانتشار خارجَ كوكب الأرض. أحدث ما توصَّل إليه العِلم والتكنولوچيا في مجال الروبوتات والنانوتكنولوچي والكيمياء الحيوية، يمكن أن يسمح لنا بأن نَعمُر المريخ، ونبني فوقه مُدُنًا مأهولة في أَجَلٍ قريب. التاريخ يكشف عن أن الثورات العلمية تأتي عبر موجات، ففي القرن التاسع عشر كانت الموجة الأولى التي مكَّنَت المهندسين من إنتاج المحرِّك البخاري الذي قاد العالم إلى الثورة الصناعية التي خلَّصَت الإنسانية من لعنة الجهل والعمل اليدوي المضني، وأخذت بيده إلى عصر الآلة. وفي القرن العشرين كانت الموجة الثانية التي تمكَّن فيها عُلماءُ الفيزياء من الدخول بنا إلى عصر الكهرباء التي أنارت مُدُنَنا وقُرانا، ومَكَّنَتنا من اختراع الدينامو والراديو والتليفزيون والرادار، ثم وصلت هذه الموجةُ ذُروَتَها بالصعود إلى القمر. وفي القرن الحادي والعشرين تمثَّلَت الموجة العِلميَّة الثالثة متمثِّلة في التكنولوچيا العالية التي جعلت السوبر كمبيوتر والإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة تتغلغل في كل دقائق حياتنا. وفي هذا الكتاب يحيط المؤلِّف بالتكنولوچيَّات التي ستأخذنا إلى آفاق أبعد، حيث نستكشف الكواكب والنجوم.
"يقوم بليخانوف في هذا الكتاب بالرَّدِّ على ما أَطلق عليهم المثاليِّين، والاشتراكيِّين الانتهازيِّين، الذين قاموا بتفسير التاريخ بمناهِجَ مادِّيَّة، مُنكِرين التفسير المادِّيَّ الجدلي الماركسي الذي يتبنَّاه ويدافع عنه؛ فهو يقدِّم في هذا الكتاب ردًّا قاطِعًا على آراء المِثاليِّين الألمان، والمادِّيِّين الفرنسيِّين، ويعتبر أن أحدًا منهم لم يقترب مِمَّا يعتبره الماركسيُّون التفسيرَ المادِّيَّ للتاريخ، وإنما ترك الأمر في خانات الرأي والطبيعة. يضع بليخانوف منهجيَّةً للرَّدِّ على ناقِدي المادية التاريخية، بدءًا من مفهوم التطوُّر وعالم الأفكار المثالية، صعودًا إلى الثورة الصناعية وتصحيح المفاهيم الهيجليَّة، ويَختَتِم كتابَه بوضعِه شرحًا مُفسِّرًا للماركسية ودورها في تفسير التاريخ بشكل عِلميٍّ. يُعَدُّ الكتاب بالنسبة إلى "لينين" أحد الركائز في الفكر الشيوعي والماركسية."
"Nihil timendum est"..."لا تَخشَ شيئًا" "كُلُّنا خائِفون بشدَّة: من اﻹساءة للناس، ومن إثارة النزاع، ومن الخروج عن الجَمع، ومن اتِّخاذِ موقفٍ جَريء. على مَدار آلافِ السِّنين، تَطوَّرَت عَلاقَتُنا بهذا اﻹحساسِ من مُجرَّد خَوفٍ بِدائيٍّ من الطَّبيعَة إلى قَلقٍ عامٍّ حِيالَ المستَقبَل، ومنه إلى مَوقِفٍ خوَّافٍ يُهَيمِن عَلَينا، وقد نودينا باعتِبارِنا بالِغين عاقِلين مُنتِجين كي نَتخَطَّى أخيرًا هذا الاتِّجاهَ المُنحَدِر، ونَنطَلِق مُتجاوِزين مَخاوِفَنا". في تعاوُنٍ فَريدٍ مِن نَوعِه، يُقرِّر كُلٌّ مِن الكاتِبِ الشَّهير "روبرت جرين" (صاحِب كتاب "قوانين القُوَّة الثماني والأربعون"، ومُغنِّي الرَّاب الأمريكي "فيفتي سِنت" أن يُوَحِّدَا جهودهما، مُصطَحِبَيْن إيَّانا بين دروبٍ شَتَّى، بين شوارع جَنوب كوينز الخَطِرَة، وكواليسِ صِناعَةِ الموسيقى، ورحلاتٍ عَديدَة لا تَنقَطِع عبرَ التَّاريخ، وتأمُّلات لَبيبَةٍ في الطَّبيعة البَشريَّة، وذلك في سبيل الاشتِباكِ مع أقدَمِ شُعورٍ عَرِفَه الإنسانُ مُنذُ أيَّامِه الأولى على الأَرض: الخَوف."
"هل يُدَعِّم الدِّينُ الخَيالاتِ والأَوهامَ الضَّروريَّةَ للحياة؟ أَمْ أَنَّ الاحتياجَ إليها هو الَّذي يُؤدِّي إلى ظاهِرَة "ازدواجيَّة الدِّين"؟ يُقدِّم عالِمُ المِصريَّاتِ البارِزُ "يان أسمان" في هذا الكِتابِ الموسوعيِّ الهامِّ نَظرَةً عامَّةً، ولكِنَّها عَميقَةٌ على مَوضوعِ "ازدواجِيَّة الدِّين"، حيثُ يَبدَأ رحلَتَه بالعَودَةِ إلى لاهوت قُدَماء المصريِّين، الَّذين اتَّسَمَ الدِّينُ عندَهم بالازْدواجِيَّة بين دينِ النُّخبَة وبَينَ دينِ الشَّعب، وهو التَّصوُّر الَّذي أَثَّر على الأَديانِ القَديمَةِ بشَكلٍ عامٍّ، حيثُ كان لها دائِمًا: وَجهٌ خارجيٌّ (وَجهُ الدِّينِ الرَّسميِّ) ووَجهٌ داخِليٌّ (الَّذي يَشمَلُ الطَّبيعةَ الغامِضَةَ للتَّجرِبَة الدِّينيَّة الخاصَّة). ثم يُكمِلُ "أسمان" رِحلَتَه في التَّاريخ ويَنقلُنا إلى العَصرِ الحديث الَّذي شَهِدَ ولادَةَ فِكرَةِ ازْدُواجِيَّة الدِّين بينَ دينِ العَقلِ (دين الفلاسِفَة) من جِهَةٍ، ودينِ الوَحْيِ (دينِ الآباء) من جِهةٍ أُخرى. اكتَسبَ هذا المفهومُ أَهمِّيَّةً جديدةً في عصر التَّنويرِ عِندَما تَمَّ نَقلُ البنيَةِ المزدوَجَةِ للدِّين إلى الفَرد؛ مِمَّا يَجعَلُ الإنسانَ مَدينًا الآنَ بِوَلائِه ليسَ فَقَط لِدِينِه الأَصليِّ، ولَكِنْ أيضًا لـ "دينِ البَشَريَّة" العالَمِيِّ."
تَرجِعُ أَهمِّيَّةُ هذا الكِتابِ إلى كَونِه إضافَةً نَظريَّةً لا يستطيع أَيُّ مُشتَغِلٍ بعِلمِ النَّفس أَنْ يُهمِلَها، ولَكِنْ -للأسف- لا نَجِدُ لها ذِكرًا في كُتُبِ عِلمِ النَّفسِ الأمريكيَّة والبريطانيَّة؛ وذَلِكَ لكَراهِيَة أصحابِ عِلمِ النَّفسِ الأمريكيِّ لِوجهاتِ النَّظَرِ الَّتي تَستَنِدُ إلى الفَلسَفةِ المادِّيَّة الجَدَليَّة؛ لأسبابٍ لا تَخْفَى على فِطنَةِ القارئ. وقد اعتَمَدَ المشتَغِلون بعِلمِ النَّفس في البِلادِ العَربيَّة على النَّقلِ من المصادِرِ الإنجليزيَّة والأمريكيَّة نقلًا مُباشِرًا، بحَيثُ يُمكِنُ القَولُ إِنَّ ما يوجَدُ من عِلمِ نَفسِ في البِلادِ العَربيَّة هو "عِلمُ نَفسِ الخَواجات"، أيْ: عِلمُ النَّفسِ الَّذي يتناوَلُ سُلوكَ ومُعتَقَداتِ ومَشاكِلَ المُجتمعاتِ الغربيَّة، والإنسانِ الغَربيِّ، والذي لا يَنطَبِقُ علينا؛ نَحنُ أبناءَ الوَطَنِ العَربيِّ، إلَّا إذا كان هُناكَ ما يُسمَّى بالطَّبيعَة الإنسانيَّة أو النَّفسيَّة الواحِدَة للبَشَرِ جَميعًا، وهو افتراضٌ لم تَثبُت صِحَّتُه؛ فمُعظَمُ المُنَظِّرين في مجال الشَّخصيَّة يَعتَبِرون أنَّ الإنسانَ نِتاجُ بيئَتِه، وأنَّ عُنصُرَ الثَّقافة والتَّوصِيَة له أكبرُ الأَثَرِ في تَكوينِ نَفسيَّة الإنسانِ وعَقلِه.