الدولة والثورة
فلاديمير لينين فكرتَكتَسِبُ مسألَةُ الدولة في الوقت الحاضر أهميَّةً خاصَّة، سواء من الناحية النظرية أو من ناحية السياسة العملية. فقد شدَّت الحرب الإمبريالية وعجَّلت بدرجةٍ هائلة عَمليَّة تحوُّل الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسماليَّةِ الدولة الاحتكارية. وتزداد فظاعة الظُّلم الذي تعانيه الجماهير العامِلَةُ من قِبَل الدولة، تلك الدولة التي تلتحم أكثرَ فأكثر باتحادات الرأسماليين ذات الحَوْل والطَّوْل، وتتحوَّل المناطق الداخلية في البلدان المُتقدِّمة بالنسبة إلى العُمَّال إلى سجونٍ عسكرية للأشغال الشاقَّة.
أفيون وبنادق
صلاح عيسى دراساتنجد في كتابة صلاح عيسى الجريمة مدخلًا لدراسةٍ واسِعَةٍ وشامِلة للمُجتَمع، والحُكَّام، والمحكومين، والقوى السياسية المختلفة، والصِّراعات الاجتماعية الدائرة، وهذا منهجه في كتابه "أفيون وبنادق"، حيث يسرد الكتابُ سِلسلةً طويلةً من القتل والسرقة، والهجوم على رجال الشرطة، وترويع الأهالي، وتَسميم المواشي، وحرق المحاصيل، وفرض الإتاوات- التي ارتكبها محمد منصور، الشهير بـ "خُطّ الصعيد". "الخط" شخصيَّةٌ مُلتَبِسة في التاريخ الإجرامي المصري؛ فهو شخصيَّةٌ تُحتَسب على المقاومة، ومحبوبٌ لشريحةٍ عريضة من الجمهور المصري؛ لكونه مُتمرِّدًا على السُّلطة المصرية المتمثِّلة في الحكومة، ولكنه شخصية إجرامية، رَوَّعَت أمن المواطنين. أعاد عيسى قراءة كل ما كُتِب في الصُّحُف والمجلات والمذكِّرات، وعلى الأخصِّ التحقيقات التي نشرها صحفيُّ الحوادث الشاب آنذاك: محمد حسنين هيكل في مجلة "آخر ساعة"، ولفَتَت إليه الأنظار بقوَّة، إلى جانب المذكِّرات التي كتبها ضابط البوليس الذي تولَّى القضية: محمد أفندي هلال، الذي طارَدَ الخُطَّ لأكثر من سنة، واقتنصه في نهاية الأمر، غير أنه هجر البوليس واشتغل بالصحافة، من هذا وذاك خرج عيسى برواية جديدة، هي الأدَقُّ والأشمَلُ للخُطّ.
البرجوازية المصرية
صلاح عيسى فكرصلاح عيسى ليس مجرد أديب أو مؤرخ فحسب، بل المفكر الفذ الذي نجح خلال أعماله التي تنبض بالحياة حتى الآن، في بناء جسر تقدُّمي حداثي بين جيلي الأربعينات والسبعينات" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حين نقول إن اعتماد البرجوازية المصرية على المفاوَضَة كأسلوبٍ وحيدٍ لحَلِّ تناقُضِها مع الإمبريالية، كان قضاءً أكثرَ ممَّا كان اختيارًا انتقائيًّا؛ فنحن لا نفعل أكثرَ من أنْ نَصِفَ ظاهرةً لا يَعْمَى عنها إلا هؤلاء الذين يُصرُّون على استمرار المراهنة على وطنيَّة البرجوازية، كأنهم يواجهون إحساسًا داخليًّا عميقًا بالعار؛ لأنَّهم مَنحوا يومًا بركاتِ الوطنيَّة -بشكلٍ مُطلَقٍ ودون تَحفُّظاتٍ- للبرجوازيَّة العربية عمومًا -والمصريَّة بوجهٍ أخصَّ- برغم أن واقع الحال كان أمامهم ناطقًا بأن البرجوازية العربية قد عَجَزَت دائمًا عن أن تفلت من قضاء المفاوضة الذي يطاردها، أو أن تتمرَّد على قدر التبعية الذي قَعَدَ بها على حِجْرِ الإمبريالية، ترضع لَبَنَها حتى شاب شَعْرُها، وملأَت التجاعيدُ صفحةَ وجهِها!
تاريخ العصامية والجربعة
محمد نعيم فكرخلَّفَت ثورة يناير وراءها عالمًا أمسى قديمًا في وعي كل المعاصرين، يُشار إليه بالماضي أو "زمان"، حتى لو كان المقصود عَقدًا واحدًا مضى، وعلى الرغم من كونه قديمًا لم نكتشف بعد كل عناصره ولا تركيباته كي نفهم لحظتنا المعاصرة التي هي نتاج تفاعُلاته هو، أصبح المصريون بعد يناير يطلق عليهم أنهم شعب بلا كتالوج لأنهم أصبحوا شعبًا موجودًا من الأصل، يتحرَّك بشكل مَرئيٍّ بعدما عبَّر عن وجوده، لم يعد صُوَرًا مُخلَّقة في دراما مُوجَّهة، انهارت كل الصورة النَّمطيَّة القديمة رغمًا عن الجميع، وأصبح لزامًا على الجميع بذل الجهد اللازم لفهم الطبيعة المادية للمجتمع الذي يعيشون فيه، وجوهر صراعاته ودوافعها. لم تَعُد من الممكن صياغة مصر كعالم مُتخيَّل من عناصر بسيطة؛ فالبلد في تغيُّر مستمر، وكنس التراب ومُراكَمَتُه تحت سجاجيد الواقع لن يُفضي إلى رؤية أي أفقٍ منبسط، بل سيجعل المسير أكثر بُطئًا وقلقًا داخل منعرجات أكثر خطورة وصراعية؛ فالمجتمعات لا تسكن أبدًا، يمكن أن تخفض صوتها، لكنها لن تتوقَّف عن الهمس والكلام، وفي الأثناء ستتشكَّل لغاتٌ جديدة، تتطوَّر وتتمايز وتصبح معها العوالم المتنوِّعة أكثر عُزلَة وتناثرًا، ولن تستطيع خطابات الصور النمطية التافهة احتواءها بحيث يسير كل شيء بالتوازي حتى تأتي لحظة تتقاطع فيها المتوازيات، فتصطدم العوالم بعضها ببعض؛ وحينها لن يمكن إخفاء صوت الانفجار.
أغسطس
حماد عليوة أدب عربيتدور الرواية حول "إليزابيث"؛ آخر الفتيات اليهوديات اللاتي هاجَرنَ من مصر، وأُمُّها مدام "نخيل" كومبارس السينما في حقبة الأربعينيات، وواحدة مِمَّن رقصن الكلاكيت في كازينوهات شارع الهرم، وصديقة قاتل الإنجليز "چاك ماليكي" اليهودي. ما بعد فُقدان الأم وفقدان الانتماء للطائفة اليهودية في مصر تعيش إليزابيث حالةً من الضَّياع في مجتمعٍ تَبَدَّل عليها، ويرفضها لكونها يهوديَّةً تعيش في حي الظَّاهر بمصر القديمة. تدخل إليزابيث في عدد من العلاقات الاستغلالية بين رفيقَيْن: أحدهما مُسلِمٌ مُتأثِّر بالتيار الإسلامي المتطرِّف، والآخر مسيحيٌّ خاضع للأوروبيين، مُحتَقِرًا ذاته، لكنها بالتالي تستغلُّهما لخدمة كلبها في علاقة استنزافية طويلة تنتهي بكارثة حَرق سلسلة متاجر سنسبري بسبب فتنةٍ طائفيَّةٍ، ولم يَعُد لها خيار سوى الهروب.
في تطور النظرة الواحدية إلى التاريخ
بليخانوف فكر"يقوم بليخانوف في هذا الكتاب بالرَّدِّ على ما أَطلق عليهم المثاليِّين، والاشتراكيِّين الانتهازيِّين، الذين قاموا بتفسير التاريخ بمناهِجَ مادِّيَّة، مُنكِرين التفسير المادِّيَّ الجدلي الماركسي الذي يتبنَّاه ويدافع عنه؛ فهو يقدِّم في هذا الكتاب ردًّا قاطِعًا على آراء المِثاليِّين الألمان، والمادِّيِّين الفرنسيِّين، ويعتبر أن أحدًا منهم لم يقترب مِمَّا يعتبره الماركسيُّون التفسيرَ المادِّيَّ للتاريخ، وإنما ترك الأمر في خانات الرأي والطبيعة. يضع بليخانوف منهجيَّةً للرَّدِّ على ناقِدي المادية التاريخية، بدءًا من مفهوم التطوُّر وعالم الأفكار المثالية، صعودًا إلى الثورة الصناعية وتصحيح المفاهيم الهيجليَّة، ويَختَتِم كتابَه بوضعِه شرحًا مُفسِّرًا للماركسية ودورها في تفسير التاريخ بشكل عِلميٍّ. يُعَدُّ الكتاب بالنسبة إلى "لينين" أحد الركائز في الفكر الشيوعي والماركسية."
المثقفون المصريون ودورهم في ثورة 1919
آمال سعد زغلول دراساتتناوَلَت هذه الدراسة دَورَ المثقَّفين المصريِّين ومواقفهم من أحداث ثورة 1919 الديمقراطيَّة التَّحرُّريَّة. ومنذ بداية أحداث الثورة وجدنا المثقَّفين يتصدَّرون النِّضالَ في كل حَدَثٍ من أحداث الثورة، فبدءًا من الأحداث العنيفة التي بدأت بعد اعتقال سعد باشا، لَعِبَ الطَّلبةُ الدَّورَ الأكبر، مُستندين إلى رصيدهم النضالي الضخم الذي وَرِثوه عن الحزب الوطني. أيضًا احتجاجات المحامين وإضرابهم، كذلك إضراب الموظَّفين، الذي سَبَّب الشَّلَل الكامل للإدارة. وعندما أرسَلَت بريطانيا لجنة مِلنَر لتقصِّي الحقائق، وُوجِهَت بالمُعارَضة والمقاطعة من المثقَّفين. كذلك مفاوضات عدلي كيرزون فشلت لنفس الموقف من قِبَل المثقَّفين. وعندما تألَّفَت لجنة الدستور وقانون الانتخاب تصدَّى المثقَّفون لمناقشة كافَّة قضاياه؛ ممَّا جعل اللجنة تُعدِّل وتضيف بعضَ البنود، وأهمها على الإطلاق: بند الحُرِّيَّات. وبالإجمال، فإن المثقَّفين لعبوا دَورًا هامًّا في أحداث الثورة، مُتصدِّرين قيادة الحركة الوطنية بما لا يَدَعُ مجالًا للشَّكِّ. وحقَّقوا مكاسب لا بأس بها؛ فقد حصلوا على 78 مقعدًا من مقاعد البرلمان. أيضًا من أهم النتائج: التَّوسُّع في التعليم؛ فزاد عَددُ الطَّلَبة في المدارس من 324 ألفًا عام 1924 إلى ما يقرب من 900000 عام 1933، كذلك زادت ميزانية التعليم من 4% عام 1919 إلى 13% قبل الحرب العالمية الثانية.