وهَذا النُّفورُ مِن التَّلامُسِ يُلازِمُنا حَتَّى وَنَحنُ بَينَ النَّاسِ، فَقَد أَمْلَت عَلَينا هَذِهِ الرَّهبَةُ أُسلوبَ حَرَكَتِنا في الطَّريقِ بَينَ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ، وكَذَلِكَ في المطاعِمِ والقِطاراتِ والحافِلاتِ. حَتَّى إذا اقتَرَبنا كَثيرًا مِن آخَرين، وكانَ بِوُسعِنا تَأَمُّلُهم ومُعايَنَتُهم بِدِقَّةٍ فَإنَّنا نَتَفادى أَيَّ احتِكاكٍ بِهِم قَدْرَ الإِمكانِ، فإذا ما فَعَلنا ذَلِكَ يَكونُ هُناكَ شَيءٌ ما قَد أَثارَ إعْجابَنا؛ فَنُبادِرُ بالاقْتِرابِ مِنهُم. أَمَّا الاعْتِذارُ السَّريعُ المُعَبِّرُ عَن احتِكاكٍ غَيرِ مُتعَمَّدٍ، والقَلَقُ انتِظارًا لِذَلِكَ، وَرَدُّ الفِعلِ الحادِّ الَّذي يَكونُ جَسَديًّا أحْيانًا -حَتَّى لَو لَم يَحدُث ذَلِكَ- والنُّفورُ والكَراهِيَةُ تِجاهَ مَن ارتَكَبَ ذَلِكَ، حَتَّى مَعَ الشَّكِّ أَنَّه ارتَكَبَ ذَلِكَ- فَإنَّ هَذهِ السِّلسِلَةَ الكامِلَةَ مِن رُدودِ الفِعلِ النَّفسِيَّةِ تِجاهَ مُلامَسَةِ الغَريبِ في حالاتِها المتَقَلِّبَةِ المتَطَرِّفَةِ المستَفِزَّةِ تُثبِتُ أَنَّ الأَمرَ هُنا يَدورُ حَولَ شَيءٍ عَميقٍ لِلغايَةِ، ومُتيَقِّظٍ، ومُرْبِكٍ دائِمًا: أَنَّه شَيءٌ يُلازِمُ المرءَ أَبَدًا إذا ما أقامَ حُدودًا حَولَ نَفسِه. وهَذا النَّوعُ مِن الرَّهبَةِ يُسَبِّبُ الشُّعورَ بالاضطِرابِ حَتَّى أَثناءَ النَّومِ، حينَما يَكونُ المرءُ غَيرَ قادِرٍ عَلى الدِّفاعِ عَنْ نَفسِه.